تمثل الرعاية الصحية للأم أثناء الحمل وبعد الولادة درع حصين أمام كافة أشكال التهديدات النفسية والبدنية ومضاعفتها، ولهذا فهو أمر لا نقاش في ضرورة توفيره وإتاحته للجميع وعلى الرغم من ذلك، فقد تتسبب الطريقة التي تحصلين بها على الرعاية الصحية في ضغوط ومخاطرات زائدة إذا لم تكن بالشكل الذي يخدم أهداف رعايتك ورفاهيتك.
هنا بالتحديد تبرز أهمية الرعاية الصحية المنزلية كبديل آمن وفعَّال للرعاية الصحية التقليدية في المراكز الطبية والمستشفيات؛ إذ أنها توفر عددا من الميزات تكاد تكون حصرا عليها دون أشكال الرعاية الصحية الأخرى، مثل مواجهة ومنع المضاعفات، وتعزيز الترابط والاتصال العاطفي مع المولود والعائلة، وتحسين الرفاهية والسلامة النفسية لك وللمولود، وتحسين معادلة التكلفة مقابل الخدمات، وأخيرا، تخصيص وتكييف الرعاية لك ولطفلك.
في هذا المقال سوف نستكشف سويا وبالتفصيل فوائد وميزات الرعاية الصحية المنزلية، ولماذا هي مُقدَّمة على ما دونها في كثير من الأحيان.
تُعد المضاعفات المرضية والإصابة بالعدوى أكثر أسباب الوفاة شيوعا بين الأمهات والأطفال حديثي الولادة. لذا، فمن علامات الوعي الاجتماعي والرعاية السليمة لك هو توافر البديل الذي يقدم لكِ كافة الرعاية التي تحتاجينها دون تعريضك لما قد يكون سببا في هذه المُضاعفات. وهذا ما تفعله الرعاية الصحية المنزلية، وذلك من عدة أوجه لعل أهمها:
– أنها تساعدك على تلقي الرعاية الصحية دون الحاجة لتكبد عناء الانتقال والزحام، وإبقائك في بيئة مألوفة ومريحة.
– توفير كافة أشكال الرعاية المطلوبة وفي الوقت المناسب، سواء كان التمريض المنزلي، رعاية الجروح، التحاليل والأشعة التشخيصية، وكذلك توجيهك وإرشادك في رعاية طفلك الرضيع.
– حمايتك من التعرض للعدوى المكتسبة من المستشفى، والتي يمكن أن تمثل خطرا عليكِ وعلى طفلك.
ومن المفاهيم الخاطئة والشائعة حول الرعاية الصحية المنزلية أنَّها أقل أمانا وفعالية من الرعاية في المستشفى. والحقيقة أن الدراسات قد أظهرت أن الرعاية الصحية المنزلية يمكن أن توفر رعاية على مستوى عالي من الاحترافية يضاهي المستشفيات وغيرها من المراكز الطبية. كما أظهرت هذه الدراسات أن الرعاية الصحية المنزلية يمكن أن تؤدي إلى انخفاض مدة الإقامة والتكاليف والمضاعفات مقارنة برعاية المرضى التقليدية في المستشفى.
الترابط والاتصال العاطفي احتياج أصيل وحق لكِ ولطفلك لما يحققه من شعور بالأمان والثقة، إلَّا أن هذا الترابط قد يتأثر بعوامل كثيرة منها الاستعداد والسلام النفسي، ووجود الوقت لممارسة الأنشطة المعززة له!
ومن هذين الوجهين بالتحديد تُسهم الرعاية الصحية المنزلية لك ولطفلك، قبل وبعد الولادة في تحقيق الترابط والاتصال العاطفي، وذلك من خلال:
– السماح لكِ بالبقاء دائما على مقربة من طفلك ومشاركته التفاعلات الجسدية واللفظية واستجابة كل منكما لإشارات الآخر دون الحاجة لمغادرته لتلقي الرعاية اللازمة في المستشفى أو أي مكان آخر.
– دعم مشاركة أفراد الأسرة الآخرين، مثل الأب أو الأشقاء، في أدوار الرعاية لكِ ولطفلك وتقديم الإرشاد والتوجيه اللازم لهم في ذلك.
– التخفيف من حدة التوتر والقلق الناجم عن آلام الحمل والولادة والمصحوب بضغوط التنقلات والانتظار في حالة غياب الرعاية الصحية المنزلية.
– تقديم الدعم النفسي لكِ في بيئة آمنة ومريحة لحمايتك من المضاعفات الناتجة عن مسؤوليات المرحلة.
وتلك فائدة أخرى من فوائد الرعاية الصحية المنزلية، إذ يمكنها تعزيز صلابتك وصحتك النفسية وإكسابك المرونة اللازمة لتحسين تعاملك مع ضغوط المرحلة وضمان الانتقال السلس وامتلاك زمام الأمور.
ولأن الإجهاد والعزلة والاكتئاب من أكثر المشاكل شيوعا قبل وبعد الولادة، فالرعاية والدعم النفسي لكِ أمر ضروري لا غنى لكِ عنه حيث يمكنك من:
– مواجهة تحديات الحمل والولادة ورعاية مولودك الجديد من خلال توفير الدعم النفسي، والتوجيه والإرشاد الذي تحتاجينه.
– الحفاظ على نمط حياة صحي باتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة والنوم والاسترخاء، وهو ما تحصلين عليه ضمن برامج الرعاية الصحية المنزلية.
– البقاء على اتصال بشبكة علاقاتك الاجتماعية، مثل الأصدقاء والعائلة، وهو- كما ذكرنا- ما يؤدي إلى الترابط والاتصال العاطفي، والذي يعزز بدوره حالتك النفسية.
تُعد برامج الدعم النفسي المنزلية في بيئة خاصة، آمنة ومريحة من أهم خدمات الرعاية الصحية المنزلية، ومع ذلك، فليست وحدها المسؤولة عن راحتك وسلامتك النفسية، بل تعمل كافة الخدمات والبرامج بطريقة تفاعلية ومتداخلة لتحقيق تلك النتيجة: سلامتك النفسية، والبدنية.
لا تستهلك الرعاية الصحية التقليدية في المراكز الطبية والمستشفيات الكثير من الوقت والجهد فقط، بل قد تكون ذات تكلفة مرتفعة، خاصة إذا كنتِ من سكان المناطق النائية.
وهنا وقبل أي شيء أود أن أشير إلى أنَّا لا نهدف في هذه النقطة بالتحديد إلى التقليل من قدر الرعاية بالمراكز الطبية والمستشفيات، بل ما نود التأكيد عليه أن الرعاية في المراكز الطبية لها حد أدنى من التكاليف بغض النظر عن نوع وحجم الرعاية، وهو ما يعطي الرعاية الصحية المنزلية ميزة أخرى رائعة، فالتكاليف مبنية على حجم الرعاية ونوعها إلى حد كبير، إضافة إلى توفير تكاليف الانتقال ولوازمه.
وبالحديث عن الإقامة في المراكز الطبية والمستشفيات، فلا يمكن لأحد أن يغفل تكاليف الرعاية التي تستدعي الإقامة في المستشفى لفترة طويلة، وهو ما يمكنك الحد منه باللجوء إلى الرعاية الصحية المنزلية والإقامة بالكامل في بيتك!
وأخيرا، لا نقول هنا أن الرعاية الصحية المنزلية تأتي مجانا، أو أنَّها أقل تكلفة دائما! بل ما نؤكد عليه أن الرعاية الصحية المنزلية تحقق لك أفضل نتيجة لمعادلة التكاليف في مقابل الخدمات التي تحصلين عليها، وهو ما أشارت إليه الدراسات كما ذكرنا باكرا في هذا المقال.
تتسم الرعاية الصحية المنزلية بالمرونة، فهي تلبي احتياجاتك وتفضيلاتك المحددة، إضافة إلى مراعاة الظروف وعوامل الخطر لديك، وأخيرا احترام تعاليم الدين، وقيمك، وعاداتك الأسرية، والاجتماعية!
وإضافة إلى المرونة، فالخدمات الصحية المنزلية يمكنها تخصيص وتكييف الرعاية لك من خلال:
– تصميم خطة الرعاية والعلاج وفقا لاحتياجاتك الطبية والنفسية.
– تكييف خطة الرعاية وفقا للتغير في الاحتياجات والتفضيلات الناتجة عن تطور حالتك الصحية وتعافيكِ بمرور الوقت.
– إشراكك في عملية صنع واتخاذ القرار، وهو ما يعزز استقلاليتك ويبرز احترام مُقدم الرعاية لك ولتفضيلاتك.
وأخيرا، تأتي قدرة الرعاية الصحية المنزلية على المرونة والتخصيص من شمول وتنوع خدمات الرعاية المُقدمة، وهو ما يستلزم التأكد من أن مُقدم خدمات الرعاية الصحية المنزلية يستطيع تقديم خدمات تملك هاتين الميزتين: الشمول والتنوع.
قد يكون مفهوم الرعاية الصحية المنزلية جديدا بعض الشيء على مجتمعاتنا، ومع ذلك فقد أصبح ضرورة تستلزم رفع الوعي بها وطرحها كخيار يمثل حلَّا فعَّالا لكثير من مشكلات الرعاية الصحية الحالية، وهذا ما حاولنا القيام به بطرح هذا المقال، فقد أشرنا إلى فوائدها وفعاليتها، وحرصنا بقدر الإمكان أن نبين أوجه الشبه والخلاف بينها وبين الرعاية الصحية التقليدية في المستشفيات والمراكز الطبية.
نأمل أن يكون المقال قد حقق الهدف المرجو منه، وإذا كان لديكِ أي استفسارات يمكنك التواصل معنا في الحال.